فصل: وأما إقناع هؤلاء المنكرين فبما يأتي‏

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: مجموع فتاوى ورسائل فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين **


ثم استدل الشيخ لذلك بقوله تعالى‏:‏ ‏{‏وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَسَاؤُوا بِمَا عَمِلُوا‏}‏ ولم يقل بالسوآي كما قال‏:‏ ‏{‏وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى‏}‏‏.‏

وأما إقناع هؤلاء المنكرين فبما يأتي‏:‏

أولًا‏:‏ أن أمر البعث تواتر به النقل عن الأنبياء والمرسلين في الكتب الإلهية، والشرائع السماوية، وتلقته أممهم بالقبول، فيكف تنكرونه وأنتم تصدقون بما ينقل إليكم عن فيلسوف أو صاحب مبدأ أو فكرة، وإن لم يبلغ ما بلغه الخبر عن البعث قد شهد العقل بإمكانه، وذلك عن وجوه‏:‏

1- كل أحد لا ينكر أن يكون مخلوقًا بعد العدم، وأنه حادث بعد أن لم يكن، فالذي خلقه وأحدثه بعد أن لم يكن قادر على إعادته بالأولى، كما قال الله تعالى‏:‏ ‏{‏وَهُوَ الَّذِي يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ وَلَهُ الْمَثَلُ الأَعْلَى فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ‏}‏ ‏[‏سورة الروم، الآية‏:‏ 27‏]‏، وقال تعالى‏:‏ ‏{‏كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُّعِيدُهُ وَعْدًا عَلَيْنَا إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ‏}‏ ‏[‏سورة الأنبياء الآية‏:‏ 104‏]‏‏.‏

2- كل أحد لا ينكر عظمة خلق السماوات والارض لكبرهما وبديع صنعتهما، فالذي خلقهما قادر على خلق الناس وإعادتهم بالأولى؛ قال الله تعالى‏:‏ ‏{‏لَخَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ‏}‏ ‏[‏سورة غافر، الآية‏:‏ 57‏]‏، وقال تعالى‏:‏ ‏{‏أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَلَمْ يَعْيَ بِخَلْقِهِنَّ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى بَلَى إِنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ‏}‏ ‏[‏سورة الأحقاف، الآية‏:‏ 33‏]‏، وقال تعالى‏:‏ ‏{‏أَوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُم بَلَى وَهُوَ الْخَلاَّقُ الْعَلِيمُ إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ‏}‏ ‏[‏سورة يس، الآيتان‏:‏ 81-82‏]‏‏.‏

3- كل ذي بصر يشاهد الأرض مجدة ميتة النبات، فإذا نزل المطر عليها اخصبت وحيي نباتها بعد الموت، والقادر على إحياء الأرض بعد موتها قادر على إحياء الموتى وبعثهم ن قال الله تعالى‏:‏ ‏{‏وَمِنْ آيَاتِهِ أَنَّكَ تَرَى الأَرْضَ خَاشِعَةً فَإِذَا أَنزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاء اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ إِنَّ الَّذِي أَحْيَاهَا لَمُحْيِي الْمَوْتَى إِنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ‏}‏ ‏[‏سورة فصلت، الآية‏:‏ 39‏]‏‏.‏

ثالثًا‏:‏ أن أرم البعث قد شهد الحس والواقع بإمكانه فيما أخبرنا الله تعالى به من وقائع أحياء الموتى، وقد ذكر الله تعالى من ذلك في سورة البقرة خمس حوادث منها، قوله‏:‏ ‏{‏أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلَى قَرْيَةٍ وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا قَالَ أَنَّىَ يُحْيِي هَذِهِ اللَّهُ بَعْدَ مَوْتِهَا فَأَمَاتَهُ اللَّهُ مِئَةَ عَامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ قَالَ كَمْ لَبِثْتَ قَالَ لَبِثْتُ يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قَالَ بَل لَّبِثْتَ مِئَةَ عَامٍ فَانظُرْ إِلَى طَعَامِكَ وَشَرَابِكَ لَمْ يَتَسَنَّهْ وَانظُرْ إِلَى حِمَارِكَ وَلِنَجْعَلَكَ آيَةً لِّلنَّاسِ وَانظُرْ إِلَى العِظَامِ كَيْفَ نُنشِزُهَا ثُمَّ نَكْسُوهَا لَحْمًا فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ قَالَ أَعْلَمُ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ‏}‏ ‏[‏سورة البقرة، الآية‏:‏ 259‏]‏‏.‏

رابعًا‏:‏ أن الحكمة تقتضي البعث بعد الموت لتجازى كل نفس بما كسبت، ولولا ذلك لكان خلق الناس عبثًا لا قيمة له، ولا حكمة منه، ولم يكن بين الإنسان وبين البهائم فرق في هذه الحياة‏.‏ قال الله تعالى‏:‏ ‏{‏أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لا تُرْجَعُونَ فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ‏}‏ ‏[‏سورة المؤمنون، الآيتان‏:‏ 155-116‏]‏، وقال الله تعالى‏:‏ ‏{‏إنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ أَكَادُ أُخْفِيهَا لِتُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا تَسْعَى‏}‏ ‏[‏سورة طه، الآية‏:‏ 15‏]‏، وقال تعالى‏:‏

{‏وَأَقْسَمُواْ بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لاَ يَبْعَثُ اللَّهُ مَن يَمُوتُ‏}‏ وأرسل الله جميع الرسل مبشرين ومنذرين والدليل قوله تعالى‏:‏ ‏{‏رُّسُلاً مُّبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ‏}‏ ‏[‏سورة النساء، الآية‏:‏ 165‏]‏،‏.‏ ‏.‏‏.‏ ‏.‏‏.‏ ‏.‏‏.‏ ‏.‏‏.‏ ‏.‏

‏{‏بَلَى وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ لِيُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي يَخْتَلِفُونَ فِيهِ وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ كَفَرُواْ أَنَّهُمْ كَانُواْ كَاذِبِينَ إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَيْءٍ إِذَا أَرَدْنَاهُ أَن نَّقُولَ لَهُ كُن فَيَكُونُ‏}‏ ‏[‏سورة النحل، الآيات‏:‏ 38-40‏]‏‏.‏ وقال تعالى‏:‏ ‏{‏زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَن لَّن يُبْعَثُوا قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتُبْعَثُنَّ ثُمَّ لَتُنَبَّؤُنَّ بِمَا عَمِلْتُمْ وَذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ‏}‏ ‏[‏سورة التغابن، الآية‏:‏ 7‏]‏‏.‏

فإذا بينت هذه البراهين لمنكري البعث وأصروا على إنكارهم، فهم مكابرون معاندون، وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون‏.‏

بين المؤلف رحمه الله تعالى ان الله أرسل جميع الرسل مبشرين ومنذرين كما قال تعالى‏:‏ ‏{‏رُّسُلاً مُّبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ‏}‏ يبشرون من أطاعهم بالجنة وينذرون من خالفهم بالنار‏.‏

وإرسال الرسل له حكم عظيمة من أهمها بل هو أهمها أن تقوم الحجة على الناس حتى لا يكون لهم على الله حجة بعد إرسال الرسل كما قال تعالى‏:‏ ‏{‏رُّسُلاً مُّبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا‏}‏‏.‏

ومنها أنه من تمام نعمة الله على عباده فإن العقل البشري مهما كان لا يمكنه أن يدرك تفاصيل ما يجب لله تعالى من الحقوق الخاصة به، ولا يمكنه أن يطلع على ما لله تعالى من الصفات الكاملة، ولا يمكن أن يطلع على ماله من الأسماء الحسنى ولهذا ارسل الله الرسل عليهم الصلاة والسلام‏.‏

وأولهم نوح عليه السلام، وآخرهم محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ والدليل على أن أولهم نوح عليه السلام قوله تعالى‏:‏ ‏{‏إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِن بَعْدِهِ‏}‏ ‏[‏سورة النساء، الآية‏:‏ 163‏]‏‏.‏

مبشرين ومنذرين، وانزل معهم الكتاب بالحق ليحكم بين الناس فيما اختلفوا فيه‏.‏

وأعظم ما دعا إليه الرسل من أولهم نوح عليه الصلاة والسلام إلى آخرهم محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ التوحيد كما قال الله تعالى‏:‏ ‏{‏وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولاً أَنِ اعْبُدُواْ اللَّهَ وَاجْتَنِبُواْ الطَّاغُوتَ‏}‏ ‏[‏سورة النحل، الآية‏:‏ 36‏]‏‏.‏ وقال عز وجل‏:‏ ‏{‏وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ إِلاَّ نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ أَنَا فَاعْبُدُونِ‏}‏ ‏[‏سورة الأنبياء، الآية‏:‏ 25‏]‏‏.‏

بين شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله أن أول الرسل نوح عليه الصلاة والسلام وأستدل لذلك بقوله تعالى‏:‏ ‏{‏إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِن بَعْدِهِ‏}‏ ‏[‏سورة النساء، الآية‏:‏ 163‏]‏ وثبت في الصحيح من حديث الشفاعة‏:‏ ‏(‏إن الناس يأتون إلى نوح فيقولون له‏:‏ أنت أول رسول أرسله الله إلى أهل الأرض‏)‏ ‏[‏رواه البخاري كتاب التوحيد ، باب ‏:‏ كلام اللعه مع الأنبياء ، يوم القيامة ، ومسلم ، كتاب الإيمان ، باب أدنى أهل الجنة منزلة‏]‏ فلا رسول قبل نوح وبهذا نعلم خطأ المؤرخين الذين قالوا‏:‏ إن أدريس عليه الصلاة والسلام قبل نوح بل الذي يظهر أن إدريس من أنبياء بني إسرائيل‏.‏

وآخر الأنبياء وخاتمهم محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ لقوله تعالى‏:‏ ‏{‏مَّا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِّن رِّجَالِكُمْ وَلَكِن رَّسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا‏}‏ ‏[‏الأحزاب‏:‏ 40‏]‏‏.‏

وكل أمة بعث الله إليها رسولًا ‏[‏أي أن الله بعث في كل أمة رسولًا يدعوهم إلى عبادة الله وحده وينهاهم عن الشرك ودليل ذلك قول الله تعالى‏:‏ ‏{‏وَإِن مِّنْ أُمَّةٍ إِلاَّ خلا فِيهَا نَذِيرٌ‏}‏ ‏[‏سورة فاطر، الآية‏:‏ 24‏]‏، وقال ‏:‏

{‏وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولاً أَنِ اعْبُدُواْ اللَّهَ وَاجْتَنِبُواْ الطَّاغُوتَ فَمِنْهُم مَّنْ هَدَى اللَّهُ وَمِنْهُم مَّنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلالَةُ فَسِيرُواْ فِي الأَرْضِ فَانظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ‏}‏‏.‏‏]‏ من نوح إلى محمد؛ يأمرهم بعادة الله وحده، وينهاهم عن عبادة الطاغوت، والدليل قوله تعالى‏:‏ ‏{‏وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولاً أَنِ اعْبُدُواْ اللَّهَ وَاجْتَنِبُواْ الطَّاغُوتَ فَمِنْهُم مَّنْ هَدَى اللَّهُ وَمِنْهُم مَّنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلالَةُ فَسِيرُواْ فِي الأَرْضِ فَانظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ‏}‏ ‏[‏سورة النحل، الآية‏:‏ 36‏]‏‏.‏

وافترض الله على جميع العباد الكفر بالطاغوت والإيمان بالله‏.‏ ‏[‏هذا هو معنى لا إله إلا الله‏.‏‏]‏ قال ابن القيم - رحمه الله تعالى-الطاغوت‏:‏ ما تجاوز به العبد حده من معبود أو متبوع، أو مطاع ‏[‏أراد شيخ الإسلام رحمه الله بهذا أن التوحيد لايتم إلا بعبادة الله وحده لا شريك له واجتناب الطاغوت‏.‏

وقد فرض الله ذلك على عبادة والطاغوت مشتق من الطغيان، والطغيان مجاوزة الحد ومنه قوله تعالى‏:‏ ‏{‏إِنَّا لَمَّا طَغَى الْمَاء حَمَلْنَاكُمْ فِي الْجَارِيَةِ‏}‏ ‏[‏سورة الحاقة، الآية‏:‏11‏]‏‏.‏ يعني لما زاد الماء عن الحد المعتاد حملناكم في الجارية يعني السفينة‏.‏

واصطلاحًا أحسن ما قيل في تعريفه ما ذكره ابن القيم - رحمه الله - أنه - أي الطاغوت-‏:‏ (1).‏ ومراده بالمعبود والمتبوع والمطاع غير الصالحين، أما الصالحون فليسوا طواغيت وإن عبدوا - أو اتبعوا - أو اتبعوا - أوأطيعوا فالأصنام التي تعبد من دون الله طواغيت، وعلماء السوء الذين يدعون إلى الضلال والكفر، أويدعون إلى البدع، أو إلى تحليل ما حرم الله، أو تحريم ما أحل الله طواغيت، والذين يزنون لولاة الأمر الخروج عن شريعة الإسلام بنظم يستوردونها مخالفة لنظام الدين الإسلامي طواغيت، لأن هؤلاء تجاوزوا حدهم، فإن حد العالم أن يكون متبعًا لما جاء به النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ لأن العلماء حقيقة ورثة الأنبياء، يرثونهم في أمتهم علمًا وعملًا، وأخلاقًا، ودعوة وتعليمًا، فإذا تجاوزوا هذا الحد وصاروا يزينون للحكام الخروج عن شريعة الإسلام بمثل هذه النظم فهم طواغيت؛ لأنهم تجاوزوا ما كان يجب عليهم أن يكونوا عليه من متابعة الشريعة‏.‏‏]‏ ؛‏.‏ ‏.‏‏.‏ ‏.‏‏.‏ ‏.‏‏.‏ ‏.‏

{مَّا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِّن رِّجَالِكُمْ وَلَكِن رَّسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا }‏ ‏[‏سورة الأحزاب، الآية‏:‏ 40‏]‏ فلا نبي بعده ومن ادعى النبوة بعده فهو كاذب كافر مرتد عن الإسلام‏.‏

وأما قوله - رحمه الله - ‏"‏أو مطاع‏"‏ فيريد به الأمراء الذين يطاعون شرعاص أوقدرًا، فالأمراء يطاعون شرعًا إذا أمروا بما لا يخالف أمر الله ورسوله وفي هذه الحال لا يصدق عليهم أنهم طواغيت، والواجب لهم على الرعية السمع والطاعة، وطاعتهم لولاة الأمر في هذا الحال بهذا القيد طاعة الله - عز وجل - ولهذا ينبغي أن نلاح حين ننفذ ما أمر به ولي الأمر مما تجب طاعته فيه أننا في ذلك نتعبد لله تعالى ونتقرب إليه بطاعته، حتى يكون تنفيذنا لهذا الأمر قربة إلى الله عز وجل وإنما ينبغي لنا أن نلاحظ ذلك لأن الله تعالى يقول‏:‏ ‏{‏يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللَّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ‏}‏ ‏[‏سورة النساء، الآية‏:‏ 59‏]‏‏.‏

وأما طاعة الأمراء قدرًا فإن الأمراء إذا كانوا أقوياء في سلطتهم فإن الناس يطيعونهم بقوة السلطان وإن لم يكن بوازع الإيمان، لأن طاعة ولي الأمر تكون بوازع الإيمان وهذه هي الطاعة النافعة، النافعة لولاة الأمر، والنافعة للناس أيضًا، وقد تكون الطاعة بوازع السلطان بحيث يكون قويًا يخشى الناس منه ويهابونه لأنه ينكل بمن خالف أمره‏.‏

ولهذا نقول إن الناس مع حكامهم في هذه المسألة لهم أحوال‏:‏

الحال الأولى‏:‏ أن يقوى الوازع الإيماني والرادع السلطاني وهذه أكمل الأحوال وأعلاها‏.‏

الحال الثانية‏:‏ أن يضعف الوازع الإيماني والرادع السلطاني وهذه أدنى الأحوال وأخطرها على المجتمع، على حكامه ومحكوميه؛ لأنه إذا ضعف الوازع الإيماني والرادع السلطاني حصلت الفوض الفكرية والخلية والعملية‏.‏

الحال الثالثة‏:‏ أن يضعف الوازع الإيماني ويقوى الرادع السلطاني وهذه مرتبة وسطى لأنه إذا قوى الرادع السلطاني صار اصلح للأمة في المظهر فإذا أختفت قوة السلطان فلا تسأل عن حال الأمة وسوء عملها‏.‏

الحال الرابعة‏:‏ أن يقوي الوازع الإيماني ويضعف الرادع السلطاني فيكون المظهر أدنى منه في الحال الثالثة لكنه فيما بين الإنسان وربه أكمل وأعلى‏.‏

والطواغيت ‏(2) كثيرة ورؤسهم ‏(3) خمسة إبليس ‏[‏إبليس هوالشيطان الرجيم اللعين الذي قال الله له‏:‏ ‏{‏وَإِنَّ عَلَيْكَ لَعْنَتِي إِلَى يَوْمِ الدِّينِ‏}‏ ‏[‏سورة ص، الآية‏:‏ 78‏]‏ وكان إبليس مع الملائكة صحبتهم يعمل بعملهم، ولما أمر بالسجود لآدم ظهر ما فيه من الخبث والإباء والاستكبار فأبى واستكبر وكان من الكافرين فطرد من رحمة الله عز وجل قال الله تعالى‏:‏ ‏{‏وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلاَئِكَةِ اسْجُدُواْ لآدَمَ فَسَجَدُواْ إِلاَّ إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ‏}‏ ‏[‏سورة البقرة، الآية‏:‏ 34‏]‏‏.‏‏]‏ لعنه الله، ومن عبد وهو راض (4).‏